الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **
وأشار إلى عهدهم أيضًا بقوله:
وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَـاطِلِ الحق الذي لبسوه بالباطل هو إيمانهم ببعض ما في التوراة . والباطل الذي لبسوا به الحق، هو كفرهم ببعض ما في التوراة وجحدهم له . كصفات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كتموه وجحدوه وهذا يبيّنه قوله تعالى:
، وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ الاستعانة بالصبر على أمور الدنيا والآخرة لا إشكال فيها، وأما نتيجة الاستعانة بالصلاة، فقد أشار لها تعالى في آيات من كتابه، فذكر أن من نتائج الاستعانة بها النهي عما لا يليق، وذلك في قوله:
وإيضاح ذلك: أن العبد إذا قام بين يدي ربه يناجيه ويتلو كتابه هان عليه كل ما في الدنيا رغبة فيما عند اللَّه . ورهبة منه فيتباعد عن كل ما لا يرضي اللَّه فيرزقه اللَّه ويهديه.
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـاقُوا رَبِّهِمْ المراد بالظن هنا: اليقين كما يدل عليه قوله تعالى:
وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـاعَةٌ ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقًا يوم القيامة، ولكنه بيّن في مواضع أُخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السماوات والأرض .
أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع . فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله:
وقال في الشفاعة بدون إذنه:
وادعاء شفعاء عند اللَّه للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جلّ وعلا، كما صرح بذلك في قوله:
تنبيــه
هذا الذي قررناه من أن الشفاعة للكفار مستحيلة شرعًا مطلقًا، يستثنى منه شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في نقله من محل من النار إلى محل آخر منها، كما
يَسُومُونَكُمْ سُواءَ الْعَذَابِ بيّنه بقوله بعده: {َيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} .
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَـاكُمْ لم يبيّن هنا كيفية فرق البحر بهم، ولكنه بيّن ذلك في مواضع أُخر كقوله:
وقوله:
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لم يبيّن هنا هل واعده إياها مجتمعة أو متفرقة ؟ ولكنه بيّن في سورة الأعراف أنها متفرقة، وأنه واعده أولاً ثلاثين، ثم أتمها بعشر، وذلك في قوله تعالى:
الظاهر في معناه: أن الفرقان هو الكتاب الذي أوتيه موسى، وأنما عطف على نفسه؛ تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات؛ لأن ذلك الكتاب الذي هو التوراة موصوف بأمرين:
أحدهما: أنه مكتوب كتبه اللَّه لنبيه موسى عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام .
والثاني: أنه فرقان أي فارق بين الحق والباطل، فعطف الفرقان على الكتاب، مع أنه هو نفسه نظرًا لتغاير الصفتين، كقول الشاعر: إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
بل ربما عطفت العرب الشىء على نفسه مع اختلاف اللفظ فقط، فاكتفوا بالمغايرة في اللفظ . كقول الشاعر: إني لأعظم في صدر الكميِّ على ** ما كان فيّ من التجدير والقصر
القصر: هو التجدير بعينه . وقول الآخر: وقددت الأديم لراهشيه ** وألفى قولها كذبًا ومينًا
والمين: هو الكذب بعينه . وقول الآخر: ألا حبذا هند وأرض بها هند ** وهند أتى من دونها النأْي والبعد
والبعد: هو النأي بعينه وقول عنترة في معلّقته:
حييت من طلل تقادم عهده ** أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
والإقفار: هو الإقواء بعينه .
والدليل من القرءان على أن الفرقان هو ما أوتيه موسى .
إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ لم يبيّن هنا من أي شىء هذا العجل المعبود من دون اللَّه؟ ولكنه بيّن ذلك في مواضع أُخر كقوله:
قوله تعالى:
قوله تعالى:
أجمل قصتهم هنا وفصلها في سورة "الأعراف"، في قوله:
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ لم يبيّن مقصودهم بقولهم: {ما هي} إلا أن جواب سؤالهم دل على أن مرادهم بقولهم في الموضع الأول {ما هي} أي: ما سنها؟ بدليل قوله:
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَارَأْتُمْ فِيهَا لم يصرح هل هذه النفس ذكر أو أنثى ؟ . وقد أشار إلى أنها ذكر بقوله:
كَذَالِكَ يُحْىِ اللَّهُ الْمَوْتَىا وَيُرِيكُمْ آيَـاتِهِ أشار في هذه الآية إلى أن إحياء قتيل بني إسرائيل دليل على بعث الناس بعد الموت؛ لأن من أحيا نفسًا واحدة بعد موتها قادر على إحياء جميع النفوس، وقد صرح بهذا في قوله:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذالِكَ فَهِىَ كَالْحِجَارَةِ لم يبين هنا سبب قسوة قلوبهم، ولكنه أشار إلى ذلك في مواضع أُخر كقوله:
أحدهما: أن المراد بالأمنية القراءة، أي: لا يعلمون من الكتاب إلا قراءة ألفاظ دون إدراك معانيها . وهذا القول لا يتناسب مع قوله {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}؛ لأن الأمّي لا يقرأ .
الثاني: أن الاستثناء منقطع، والمعنى لا يعلمون الكتاب، لكن يتمنون أماني باطلة، ويدل لهذا القول: قوله تعالى:
قوله تعالى:
ثُمَّ أَنتُمْ هَـاؤُلااءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ الآية، يعني: تقتلون إخوانكم، ويبيّن أن ذلك هو المراد، كثرة وروده كذلك في القرءان نحو قوله:
ويوضح هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم، كمثل الجسد الواحد إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى" .
، وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَـاتِ لم يبيّن هنا ما هذه البينات ولكنه بيّنها في مواضع أُخر كقوله:
|